السسسسسسسسسسسسسسسسلام عليكم
وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور
خلق الله الانسان وميزه عن باقي الكائنات بالعقل . فبه يثاب وبه يعاقب ويحتاج الانسان الى جانب عقله ركائز تدعم مسيرته في الحياة وهذه الركائز تتجسد في الأخلاق الفاضلة التي هي خير دعامة في حياة الانسان بينما الأخلاق الرذيلة هي معول الخراب والهدم .
والغرور أحد المفاسد الاخلاقية التي يبتلى بها المؤمن فما هو الغرور ؟
سؤوال نطرحه ونجيب عليه
الغرور على ما عرفه علماء الاخلاق هو سكون النفس الى ما يوافق الهوى ويميل اليه وهو من أسوأ الصفات النفسية لأنه الباعث الحقيقي للمساويء الاخلاقية كحب الدنيا وطول الأمل والظلم والفسق والعصيان . والسبب الرئيسي للغرور هو الجل ومثال ذلك المال والعلم نعمتان من نعم الله يضفي بها على عبده ولكن اذا كان المنعم عليه جاهل بحقيقة الدنيا يغتر بهما ويقول سبحانه وتعالى :
( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) * ( فلا يغرنكم الحيوة الدنيا ولايغرنكم بالله الغرور )
فهؤلاء عند امتلاكهم للنعم ينسون أنفسهم ويجهلون بان هذه النعم زائلة ولاتبقى
فالتوازن والوسطية هما المعيار الصحيح في السلوك الحياتي وبهما علاج الامراض الاخلاقية والنفسية بعد معرفة حقيقة المرض ودوافعه .
احذروا الدنيا فيقول الله تعالى : " وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون " [ العنكبوت 64 ] ، وقال تعالى : " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون " [ يونس 24 ] .قال تعالى : " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " [ الحديد 20 ] ، يحذر المولى جل وعلا عباده من الانجراف في مزالق الحياة الغادرة وعدم الإخبات إليها أو اتخاذها وطناً وسكناً وأنها غادرة ماكرة ما لجأ إليها أحد أو رجاها من دون الله إلا خذلته وتخلت عنه فهي حقيرة عند الله عزوجل كحقارة الميتة عند الناس ، وإنما جعلها الله فتنة للعباد ليرى الصابر والشاكر والمغتنم لأوقاته لما فيه رضا ربه سبحانه ، ممن عكف عليها وأقام وأناب إليها ومن قضى أيامه ولياليه من أجلها ، فلايستوي الفريقان عند الله أبداً قال تعالى : " فريق في الجنة وفريق في السعير " [ الشورى 7 ] ، وقال تعالى : " وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات " [ فاطر 19/20/21/22 ] ، الأعمى هو من ضل عن منهج الله تعالى وركن إلى الدنيا واطمأن إليها فهو وإن كان بصير العين فهو أعمى البصيرة فهو في هذه الدنيا أعمى وفي الآخرة أعمى وأضل سبيلاً ، ولذا قال الله عزوجل : " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " [ الحج 46 ] ، وذاك لإعراضه عن ذكر الله تعالى فالأحياء هم المؤمنون والأموات هم الكفار ، فالحياة حياة إيمان والموت موت كفر والعياذ بالله ، قال تعالى : " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى " [ طه 124/125/126/127 ] ، وأما من باع الدنيا واشترى الآخرة فهو البصير المبصر العارف تمام المعرفة لم خلق ؟ وهذا حق معلوم لا ينكره إلا جاهل أو فاقد عقل . قال صلى الله عليه وسلم : " أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم " [ متفق عليه ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء " [ أخرجه مسلم ] ، وهذا تحذير آخر من نبي الرحمة والهدى لأمته من عدم الركون إلى الدنيا أو الاستئناس بها وعدم الانخراط في سلك اللاهين المحبين لها ولزخرفها وزينتها ، والحذر كل الحذر من الانجراف وراء مغريات الحياة الزائفة ، وعدم الاهتمام بها أصلاً إلا لمن ابتغى بها وجه الله تعالى والدار الآخرة .ولكن ومع كل هذه التحذيرات من رب الأرض والسموات ومن نبي الهدى والرحمات ، لا نجد إلا قلوباً ميتة ، وعقولاً مسلوبة لشغوف أهلها بحب الدنيا وبهرجتها الزائفة الزائلة ، خربوا آخرتهم الباقية وعمروا دنياهم الفانية ، تنافس كثير من الناس من أجل الدنيا وتقاطعوا وتدابروا من أجلها فضاعت حقوق بعضهم بين بعض ، فكم من ضعفاء ومساكين ضاع حقهم من أجل أن يأكله غني مستكفي ، وكم من صاحب حق ذهب حقه أدراج الرياح من أجل محاباة المسؤول لخصمه ، وكم وكم نرى من خصومات وتعديات من أجل الصراع للبقاء على وجه هذه البسيطة التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، قال تعالى : " يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " [ فاطر 5 ] ، لقد أصبحت الدنيا وعمارتها والعيش فيها وجمع الأموال والأولاد والأزواج والكسب الحرام هي الشغل الشاغل الذي ملأ قلوب الكثير من الناس اليوم ، بل أصبحت الدنيا هي همهم الأول الذي خلقوا من أجله في اعتقادهم الفاسد الباطل ، فانتشرت بينهم أمراض القلوب وأدوائه فها هو الحسد والحقد والكراهية والبغضاء ، وهاهي الغيبة والنميمة والشحناء ، سادت بين أولئك الناس بسبب حبهم للدنيا وشهواتها وزينتها وزخرفها ، فأصبح العداء والولاء من أجل الدنيا ، فلا هم لأولئك الأشرار إلا إزالة هذا عن منصبه ووضع ذاك ، ونقل هذا والمجيء بالآخر ، لأن هذا من شيعته وذاك من عدوه ، وهذا قريبه ومن أبناء جلدته وذاك غريب لايمت له بصلة ، قال تعالى : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " [ الحجرات 13 ] ، فلا تفاضل بين العباد إلا بالتقوى التي هي أساس الإيمان بالله ، فلا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أحمر ولا أسود إلا بالتقوى ، أما من أجل القرابة والجماعة والقبيلة فهذه أمور جاهلية أتى الإسلام فقضى عليها فلا تفاخر بالأنساب والأحساب فالناس سواسية عند الله عزوجل ، فكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " [ أخرجه مسلم ] ، فمدار النظر وضابطه القلوب والأعمال ، فإذا صلح القلب صلحت النية وكانت خالصة لله في كل أمورها ، وبذلك سيصلح الجسد كله بإذن مولاه سبحانه ، أما فساد القلب وموته فيتوقف عليه فساد الجسد كله فلا ينكر ولا يعرف إلا حب الدنيا وزينتها والصراع من أجلها وهذا وللأسف الشديد هو ديدن كثير من الناس اليوم ، وكل ذلك من دعوى الجاهلية .
لقد أنسى الناس حب الدنيا والتشاغل بها عن طاعة
الله عزوجل والخوف منه ، ألا يعقل أولئك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما لي وللدنيا ؟ ما أنا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها " [ أخرجه الترمذي وهو حديث حسن صحيح ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ليس الغنى من كثرة العَرَض ، ولكن الغنى غنى النفس " [ متفق عليه ] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " [ أخرجه مسلم ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ : " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " [ هود 102 ] [ متفق عليه ] .
وهذه هي النتيجة الحتمية لكل ظالم ولا مناص عنها ولا مفر منها ، والجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان ، وما ربك بظلام للعبيد ـ حاشا وكلا ـ ولكن الناس أنفسهم يظلمون .
فياليت شعري لو أن الناس تركوا الخلق للخالق سبحانه ، واتقوا الله جل وعلا حق التقوى ورضي كل منهم بما قسم الله له في هذه الحياة ولم ينظر بعضهم إلى ما وصل إليه غيره من النعم والخيرات التي امتن الله بها على عباده ، وياليت شعري لو أن الناس لم ينظروا إلى ما منّ الله به على غيرهم فيحسدوهم ويحقدوا عليهم ويطمعوا بما في أيديهم لعاش الناس أخوة متحابين متعاونين على البر والتقوى متناهين عن الإثم والعدوان آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر .
قال تعالى : " المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً " [ الكهف 46 ] .
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين الخائفين الوجلين ، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا ، اللهم اجعلنا نخشاك حق خشيتك ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ، اللهم حبب المؤمنين إلى قلوبنا ، واجعلنا اخوة متحابين فيك ياذا الجلال والإكرام ، اللهم طهر قلوبنا وألسنتنا من كل فاحشة ورذيلة ياحي يا قيوم ، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على النذير البشير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .
منقووووووووولة